الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وأصبح يوم السبت أول شوال فصلى صلاة العيد بالقصر لعجزه عن المضي إلى الجامع لشدة ألم رجله وامتناعه من النهوض على قدميه. ثم في ثالث شوال خلع على الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار الكبير باستقراره في نيابة الشام عوضًا عن تنبك العلائي ميق بحكم عزله وخلع على الأمير مقبل الحسامي الدوادار الثاني باستقراره دوادارًا كبيرًا على إمرة طبلخاناه وأنعم السلطان بإقطاع جقمق الدوادار على الأمير تنبك ميق. ثم في رابع شوال المذكور خلع السلطان أيضًا على الأمير قطلوبغا التنمي أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية واستقر في نيابة صفد عوضًا عن الأمير قرامراد خجا ورسم بتوجه قرامراد خجا إلى القدس بطالًا وأنعم بإقطاع قطلوبغا التنمي على الأمير جلبان الأمير آخور الثاني وأنعم بإقطاع جلبان ووظيفته على الأمير آقبغا التمرازي فتجهز جقمق بسرعة وخرج في يوم سابع عشرة من القاهرة متوجها إلى محل كفالته بدمشق. ثم في يوم الجمعة حادي عشرينه نزل السلطان إلى جامعه بالقرب من باب زويلة وقد هيئت به المطاعم والمشارب فمد بين يديه سماط عظيم فأكل السلطان منه والأمراء والقضاة والعسكر وملئت الفسقية التي. بصحن الجامع سكرًا مذابًا فشرب الناس منه ثم أحضر الحلاوات كل ذلك لفراغ الجامع المذكور ولإجلاس قاضي القضاة شمس الدين محمد بن الديري الحنفي في مشيخة الصوفية وتدريس الحنفية وفرشت السجادة لابن الديري في المحراب وقرر خطابة الجامع المذكور للقاضي ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السر. ثم عرض السلطان الفقهاء وقرر منهم من اختاره في الوظائف والتصوف. ثم استدعى قاضي القضاة شمس الدين بن الديري وألبسه خلعةً باستقراره في المشيخة وجلس بالمحراب والسلطان وولده الصارمي إبراهيم عن يساره والقضاة عن يمينه ويليهم مشايخ العلم وأمراء الدولة فألقى ابن الديري درسًا عظيمًا وقع فيه أبحاث ومناظرات بين الفقهاء والملك المؤيد يصغي لهم ويعجبه الصواب من قولهم ويسأل عما لا يفهمه حتى يفهمه. قلت: هذا هو المطلوب من الملوك الفهم والذوق لينال كل ذي رتبة رتبته وينصف أرباب الكمالات - بين يديه - من كل فن فوا أسفاه على ذلك الزمان وأهله! واستمر البحث بين الفقهاء إلى أن قرب وقت الصلاة ثم انفضوا. واستمر السلطان جالسًا بمكانه إلى أن حان وقت الصلاة. وتهيأ السلطان وكل أحد للصلاة فخرج القاضي ناصر الدين بن البارزي من بيت الخطابة وصعد المنبر وخطب خطبةً بليغةً فصيحةً من إنشائه ثم نزل وصلى بالناس صلاة الجمعة. فلما انقضت الصلاة خلع السلطان عليه باستقراره في خطابة ثم ركب السلطان من الجامع المذكور وعدى النيل إلى بر الجيزة فأقام به إلى يوم الأحد ثالث عشرينه وعاد إلى القلعة. ثم ركب من القلعة في يوم الأحد أول ذي القعدة للصيد وعاد من يومه. وفي يوم ثالثه سار الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي والأمير طوغان الأمير آخور الكبير للحج على الرواحل من غير ثقل. ثم في يوم الجمعة سادس ذي القعدة خلع السلطان على القاضي زين الدين عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن التفهني الحنفي باستقراره قاضي قضاة الحنفية عوضًا عن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن الديري المستقر في مشيخة الجامع المؤيدي برغبة ابن الديري فإنه كان من حادي عشرين شوال قد انجمع عن الحكم بين الناس ونوابه تقضي. وفيه أيضًا عدى السلطان النيل يريد سرحة البحيرة وجعل نائب الغيبة الأمير إينال الأرغزي وسار السلطان حتى وصل مريوط. وعاد فأدركه عيد الأضحى بمنزلة الطرانة فصلى بها العيد وخطب كاتب سره القاضي ناصر الدين ابن البارزي. قلت: هكذا يكون كتاب سر الملوك أصحاب علم وفضل ونظم ونثر وخطب وإنشاء لا مثل جمال الدين الكركي وشهاب الدين بن السفاح. ثم ارتحل السلطان من الغد وسار حتى نزل ببر منبابة بكرة يوم الأحد ثالث عشر ذي الحجة. وعدى النيل من الغد ونزل ببيت كاتب السر ابن البارزي وبات به ودخل الحمام التي أنشأها كاتب السر بجانب داره. ثم عاد السلطان في يوم الاثنين رابع عشر ذي الحجة إلى القلعة وخلع على الأمراء والمباشرين على العادة. ثم نزل السلطان في يوم الجمعة ثامن عشره إلى الجامع المؤيدي وصلى به الجمعة وخطب به كاتب السر ابن البارزي. ثم حضر من الغد الأمير محمد بك بن علي بك بن قرمان صاحب قيسارية وقونية ونكدة ولارندة وغيرها من البلاد وهو مقيد محتفظ به فأنزل في دار الأمير مقبل الدوادار ووكل به إلى ما سيأتي ذكره. ثم في يوم الجمعة ثالث المحرم وصل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي والأمير طوغان أمير آخور من الحجاز فكانت غيبتهما عن مصر تسعة وخمسين يومًا. وفيه استقر الأمير شاهين الزردكاش نائب حماة في نيابة طرابلس عوضًا عن سودون القاضي واستقر في نيابة حماة عوضًا عن شاهين المذكور الأمير إينال الأرغزي النوروزي نائب غزة واستقر عوضه في نيابة غزة الأمير أركماس الجلباني أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية. ثم أفرج السلطان عن الأمير نكباي حاجب دمشق من سجنه بقلعة دمشق واستقر في نيابة طرسوس وأحضر نائبها الأمير تنبك أميرًا إلى حلب. واستقر الأمير خليل الدشاري أحد أمراء الألوف بدمشق في حجوبية الحجاب بدمشق وكانت شاغرةً منذ أمسك نكباي. واستقر الأمير سنقر نائب قلعة دمشق. واستقر الأمير آقبغا الأسندمري الذي كان ولي نيابة سيس ثم حمص حاجبًا بحماة عوضًا عن الأمير سودون السيفي علان بحكم عزله واعتقاله وكان بطالًا بالقدس. ثم في سادس عشر المحرم نقل الشيخ عز الدين عبد العزيز البغدادي من تدريس الحنابلة بالجامع المؤيدي إلى قضاء الحنابلة بدمشق واستقر عوضه في التدريس بالجامع المذكور العلامة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي. ثم في يوم الاثنين خامس صفر ركب السلطان من القلعة وعدى النيل ونزل بناحية وسيم على العادة في كل سنة وأقام بها إلى عشرين صفر فركب وعاد من وسيم إلى أن عدى النيل ونزل ببيت كاتب السر وبات به. وعمل الوقيد في ثاني عشرينه ثم ركب من الغد إلى القلعة. ثم في سادس عشرينه نزل السلطان من القلعة إلى بيت الأمير أبي بكر الأستادار وعاده في مرضه فقدم له أبو بكر تقدمةً هائلة. واستمر أبو بكر مريضًا إلى أن مات وتولى الأستادارية بعده الأمير يشبك المؤيدي المعروف بأنالي - أي له أم - في يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأول. ثم في هذا الشهر تحرك عزم السلطان على السفر إلى بلاد الشرق لقتال قرا يوسف وأخذ في الأهبة لذلك وأمر الأمراء بعمل مصالح السفر فشرعوا في ذلك. هذا وهو لا يستطيع الركوب ولا النهوض من شدة ما به من الألم الذي تمادى برجله وكسحه ولا ينتقل من مكان إلى آخر إلا على أعناق المماليك وهو مع ذلك له حرمة ومهابة في القلوب لا يستطيع أخصاؤه النظر إلى وجهه إلا بعد أن يتلطف بهم ويباسطهم حتى يسكن روعهم منه. ثم في أول شهر ربيع الآخر وقع الشروع في بناء منظرة على الخمس وجوه بجوار التاج الخراب خارج القاهرة بالقرب من كوم الريش لينشىء السلطان حوله بستانًا جليلًا ودورًا ويجعل ذلك عوضًا عن قصور سرياقوس ويسرح إليها كما كانت الملوك تسرح إلى سرياقوس منذ أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون. ثم في ثالث عشر شهر ربيع الأخر المذكور ابتدأ بالسلطان ألم تجدد عليه من حبسة الإراقة مع ما يعتريه من ألم رجله واشتد به وتزايد ألم رجله. فلما كان يوم الأربعاء رابع عشرين الشهر المذكور نادى السلطان بإبطال مكس الفاكهة البلدية والمجلوبة وهو في كل سنة نحو ستة الأف دينار سوى ما يأخذه الكتبة والأعوان فبطل ونقش ذلك على باب الجامع المؤيدي. ثم في يوم الخميس ثاني جمادى الأولى ابتدأ بالمقام الصارمي إبراهيم ابن السلطان الملك المؤيد مرض موته ولزم الفراش بالقلعة إلى يوم الثلاثاء رابع عشره فركب من القلعة في محفة لعجزه عن ركوب الفرس ونزل إلى بيت القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل ناظر الخزانة ببولاق وأقام به ثم ركب من الغد في النيل وعدى إلى الخروبية ببر الجيزة وأقام بها وقد تزايد مرضه. وأما السلطان فإنه ركب من القلعة في يوم ثاني عشر جمادى الأولى المذكور وتوجه إلى منظرة الخمس وجوه وشاهد ما عمل هناك ورتب ما اقتضاه نظره من ترتيب البناء وعاد إلى بيت صلاح الدين خليل بن الكويز ناظر الديوان المفرد المطل على بركة الرطلي فأقام فيه نهاره وعاد من آخره إلى القلعة. ثم في يوم السبت خامس عشرينه خلع السلطان على الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان البساطي المالكي شيخ الخانقاه الناصرية فرج باستقراره قاضي قضاة المالكية بعد وفاة القاضي جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي. ثم في يوم الأربعاء تاسع عشرينه نزل السلطان من القلعة وتوجه إلى الميدان الكبير الناصري بموردة الجبس وكان قد خرب وأهمل أمره منذ أبطل الملك الظاهر برقوق الركوب إليه ولعب الكرة فيه وتشعثت قصوره وجدرانه وصار منزلًا لركب الحاج من المغاربة. فرسم السلطان في أول هذا الشهر للصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله بعمارته فلما انتهى نزل السلطان إليه في هذا اليوم وشاهد ما عمر به فأعجبه ومضى إلى بيت ابن البارزي ببولاق وقد تحول المقام الصارمي إبراهيم من الخروبية إلى قاعة الحجازية فزاره السلطان غير مرة بالحجازية وأنزل بالحريم السلطاني إلى بيت ابن البارزي فأقاموا عنده. فلما كان يوم الجمعة أول جمادى الآخرة صلى السلطان صلاة الجمعة بالجامع الذي جدده ابن البارزي تجاه بيته وكان هذا الجامع يعرف قديمًا بجامع الأسيوطي وخطب به وصلى قاضي القضاة جلال الدين البلقيني. ثم ركب السلطان من الغد في يوم السبت ثاني جمادى الآخرة إلى الميدان المقدم ذكره وعمل به الخدمة السلطانية ثم توجه إلى القلعة وأقام بها إلى يوم الأربعاء سادسه فركب منها ونزل إلى بيت ابن البارزي وأقام به أيامًا ثم عاد إلى القلعة. ثم في يوم الأربعاء ثالث عشره حمل المقام الصارمي إبراهيم من الحجازية إلى القلعة على الأكتاف لعجزه عن ركوب المحفة فمات ليلة الجمعة خامس عشره فارتجت القاهرة لموته. فجهز من الغد وصلي عليه ودفن بالجامع المؤيدي وشهد السلطان الصلاة عليه ودفنه مع عدم نهضته للقيام من شدة مرضه وللوجد الذي حصل له على ولده. وأقام السلطان بالجامع المؤيدي إلى أن صلى به الجمعة. وخطب القاضي ناصر الدين بن البارزي على العادة وخطب خطبة بليغة من إنشائه وشبك في الخطبة الحديث الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - عند موت ولده إبراهيم " إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا لمحزنون على فراقك يا إبراهيم. . إلخ ". فلما ذكر ذلك ابن البارزي على المنبر بكى السلطان وبكى الناس لبكائه فكانت ساعة عظيمة. ثم ركب السلطان بعد الصلاة من الجامع المؤيدي وعاد إلى القلعة وأقام القراء يقرؤون القرآن على قبره سبع ليال. وفي هذه الأيام
وغلا سعر الغلال ونودي بالقاهرة بالصيام ثلاثة أيام ثم بالخروج إلى الصحراء للاستسقاء فصام أكثر الناس وصام السلطان فنودي بزيادة إصبع عما نقصه. ثم نودي في يوم الأحد رابع عشرينه بالخروج من الغد للصحراء خارج القاهرة. فلما كان الغد يوم الاثنين خرج شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين البلقيني وسار حتى جلس في فم الوادي قريبًا من قبة النصر - وقد نصب هناك منبر - فقرأ سورة الأنعام وأقبل الناس أفواجًا من كل جهة حتى كثر الجمع ومضى من شروق الشمس نحو الساعتين أقبل السلطان بمفرده على فرس وقد تزيا بزي أهل الصوفية واعتم على رأسه بمئزر صوف لطيف ولبس على بدنه ثوب صوف أبيض وعلى عنقه مئزر صوف بعذبة مرخاة على بعض ظهره وليس في سرجه ولا شيء من قماش فرسه ذهب ولا حرير فأنزل عن الفرس وجلس على الأرض من غير بساط ولا سجادة مما يلي يسار المنبر فصلى قاضي القضاة ركعتين كهيئة صلاة العيد والناس وراءه يصلون بصلاته ثم رقى المنبر فخطب خطبتين حث الناس فيهما على التوبة والاستغفار وأعمال البر وحذرهم ونهاهم وتحول فوق المنبر واستقبل القبلة ودعا فأطال الدعاء والسلطان في ذلك كفه يبكي وينتحب وقد باشر في سجوده التراب بجبهته. فلما انقضت الخطبة ركب السلطان فرسه مع عدم قدرته على القيام وإنما يحمل على الأكتاف حتى يركب ثم يحمل حتى ينزل وسار إلى جهة القلعة والعامة محيطة به يدعون له فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة. ومن أحسن ما نقل عنه في هذه الركبة أن بعض العامة دعا له حالة الاستسقاء أن الله ينصره فقال لهم الملك المؤيد: اسألوا الله فيما نحن بصدده وإنما أنا واحد منكم - فلله دره فيما قال. ثم في غده نودي على النيل بزيادة اثني عشر إصبعًا بعدما رد النقص وهو قريب سبعة وعشرين إصبعًا فتباشر الناس باستجابة دعائهم. ثم قدم الخبر على السلطان بنزول قرا يوسف على بغداد وقد عصاه ولده شاه محمد بها فحاصروه ثلاثة أيام حتى خرج إليه فأمسكه أبوه قرا يوسف واستصفى أمواله وولى عوضه على بغداد ابنه أميرزه أصبهان ثم عاد قرا يوسف إلى مدينة تبريز لحركة شاه رخ بن تيمورلنك عليه. ثم في يوم الاثنين سابع عشر شهر رجب ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى بيت كاتب السر ابن البارزي على عادته ليقيم به ونزل الأمراء بالدور من حوله وصارت الخدمة تعمل هناك وكان السلطان قد انقطع عن النزول إليه من يوم مات ابنه. ثم في يوم الأربعاء تاسع عشره جمع السلطان خاصته ونزل إلى البحر وسبح فيه وعام من بيت كاتب السر إلى منية الشيرج ثم عاد في الحراقة وكثر تعجب الناس من قوة سبحه مع زمانة رجله وعجزه عن الحركة والقيام. ولما أراد أن ينزل للسباحة أقعد في تخت من خشب كهيئة مقعد المحفة وأرخي من أعلى الدار بحبال وبكر إلى الماء فلما عاد في الحراقة رفع في التخت المذكور من الحراقة إلى أعلى الدار حتى جلس على مرتبته. فنودي من الغد على النيل بزيادة ثلاثين إصبعًا ولم يزد في هذه السنة مثلها فتيامن الناس بعوم السلطان في النيل وعدوا ذلك من جملة سعادته وقالت العامة: الزيادة ببركته. ثم في يوم الجمعة حادي عشرين شهر رجب المذكور ركب السلطان من بيت ابن البارزي في. الحراقة وتنزه على ظهر النيل وتوجه إلى رباط الآثار النبوية فزاره وبر من هناك من الفقراء والخدام وغيرهم ثم عاد إلى المقياس بجزيرة الروضة فصلى الجمعة بجامع المقياس ورسم بهدمه وبنائه ثانيًا وتوسعته ففعل ذلك. ورسم أيضًا بترميم بلاط رباط الآثار النبوية ثم عاد إلى الجزيرة الوسطى وركب منها إلى الميدان الناصري وبات به وركب من الغد في يوم السبت إلى القلعة. ثم في سابع عشرين شهر رجب المذكور من سنة ثلاث وعشرين قدم الخبر على السلطان من الأمير عثمان بن طر علي المدعو قرا يلك صاحب آمد أنه كبس على بير عمر حاكم أرزنكان من قبل قرا يوسف وأمسكه وقيده هو وأربعة وعشرين نفسًا من أهله ولاده وأنه قتل من أعوانه ستين رجلًا وغنم شيئًا كثيرًا فسر السلطان بذلك ثم إنه قتل بير عمر المذكور وأرسل برأسه إلى السلطان فوصل الرأس إلى القاهرة في يوم الاثنين أول شعبان. وكان السلطان قد كتب محاضر بكفر قرا يوسف وولده حاكم بغداد فأفتى مشايخ العلم بجواز قتاله. ورسم السلطان للأمراء بالتجهيز للسفر وحملت إليهم النفقات فوقع التجهيز في أمور السفر ونودي في رابع شعبان المذكور بالقاهرة بين يدي الخليفة والقضاة الأربعة جميع نوابهم وبين يديهم القاضي بدر الدين حسن البرديني أحد نواب الحكم الشافعية وهو راكب على بغلته وبيده ورقة يقرأ منها استنفار الناس لقتال قرا يوسف وتعداد قبائحه ومساوئه. قلت: هو كما قالوه وزيادة عليه وعلى ذريته اللعنة فإنهم كانوا سببًا لخراب بغداد وأعمالها. وكانت بغداد منبع العلم ومأوى الصالحين حتى ملكها هؤلاء التركمان رعاة الأغنام فساؤوا السيرة وسلبوا الناس أموالهم وأخرب البلاد وأبادوا العباد من الظلم والجور والعسف - ألا لعنة الله على الظالمين. ثم في يوم الاثنين ثامن شعبان - ويوافقه خامس عشرين مسرى أحد شهور القبط - أوفي النيل فركب السلطان إلى المقياس حتى خلفه على العادة ركب الحراقة حتى فتح خليج السد على العادة. ثم في يوم الجمعة عقد السلطان عقد الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي على ابنته بصداق جملته خمسة عشر ألف دينار هرجه بالجامع المؤيدي بحضرة القضاة والأمراء والأعيان. هذا وقد تهيأ القرمشي للسفر إلى البلاد الشامية مقدم العساكر وأصبح من الغد في يوم السبت ثالث عشر شعبان المذكور برز الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي طلبه من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة ومعه من الأمراء مقدمي الألوف جماعة: الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير رأس نوبة النوب والأمير طوغان الأمير آخور الكبير والأمير ألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب والأمير جلبان أمير آخور - كان - والأمير جرباش الكريمي قاشق والأمير آقبلاط السيفي دمرداش والأمير أزدمر الناصري وندبهم السلطان للتوجه إلى حلب خشية من حركة قرا يوسف. وفيه نزل السلطان من القلعة إلى بيت ابن البارزي وأقام به إلى يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان فتوجه إلى الميدان لعرض المماليك الرماحة فتوجه إليه وجلس به ولعبت مماليك السلطان بالرمح بين يديه مخاصمة ولعب حتى المعلمين جعل لكل معلم خصمًا مثله ولعبهما بين يديه فوقع بين الرماحة أمور ومخاصمات وأبدوا غرائب في فنونهم كل ذلك لمعرفة الملك بهذا الشأن ومحبته لأرباب الكمالات من كل فن. فلما انتهى لعبهم والإنعام عليهم - كل واحد بحسب ما يليق به - وركب آخر النهار من الميدان المذكور على ظهر النيل في الحراقة إلى بيت ابن البارزي ببولاق وأقام به وعمل الخدمة به إلى أن ركب منه إلى الميدان ثانيًا في نهار السبت العشرين من شعبان ولعبت الرماحة بين يديه وهم غير من تقدم ذكرهم فإنه رسم أن في كل يوم من يومي السبت والثلاثاء يلعب معلمان هما وصبيانهما - لا غير - مخاصمة. قلت: وهذه عادة الملوك لما تعرض المماليك بين أيديهم لا يخاصم في كل يوم غير صبيان معلم مع صبيان معلم آخر لكن زاد الملك المؤيد بأن لعب المعلمين أيضًا فصار المعلم يقف يمينًا وصبيانه صف واحد تحته ويقف تجاهه معلم آخر وصبيانه تحته فيخرج المعلم للمعلم ويتخاصمان إلى أن ينجزا أمرهما ثم يخرج النائب للنائب الذي يقابله من ذلك المعلم ثم يخرج كل واحد لمن هو مقابله إلى أن يستتم العرض بين الظهر والعصر أو قبل الظهر أو بعده بحسب قلة الصبيان وكثرتهم. ولما تم العرض في نهار السبت المذكور بالميدان لم يتحرك السلطان من الميدان وبات به. وأصبح يوم الأحد ركب الحراقة وتوجه في النيل إلى رباط الآثار النبوية وزاره وتصدق به ثم عاد إلى المقياس بالروضة وكشف عمارة جامعه ثم عاد في الحراقة إلى الميدان فبات به. وعرض في يوم الاثنين أيضًا أراد بذلك إنجاز أمرهم في العرض. ولما انتهى العرض في ذلك اليوم ركب الحراقة وتوجه إلى رباط الآثار ثانيًا وزاره ثم عاد إلى جزيرة أروى المعروفة بالجزيرة الوسطانية ونزل بها في مخيمه فأقام بها يومه وعاد إلى الميدان وبات به ليلتين. ثم رجع في النيل إلى بيت كاتب السر ببولاق في يوم الخميس فبات به وصلى الجمعة بجامع كاتب السر وخطب وصلى به قاضي القضاة جلال الدين البلقيني. ثم ركب الحراقة بعد الصلاة وتوجه إلى الميدان وبات به. وركب إلى القلعة بكرة يوم السبت سابع عشرين شعبان. كل ذلك والسلطان صائم في شهر رجب وشعبان لم يفطر فيهما إلا نحو عشرة أيام عندما يتناول الأدوية بسبب ألم رجله هذا مع شدة الحر فإن الوقت كان في فصل الصيف وزيادة النيل. ولما استهل شهر رمضان بيوم الثلاثاء انتقض على السلطان ألم رجله ولزم الفراش. وصارت الخدمة السلطانية تعمل بالدور السلطانية من قلعة الجبل لقلة حركة السلطان مما به من الألم وهو مع ذلك صائم لا يفطر إلا يوم يتناول فيه الدواء. ثم في رابع عشر شهر رمضان المذكور خلع السلطان على الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم باستقراره ناظر ديوان المفرد بعد موت صلاح الدين خليل بن الكويز. ثم في هذا الشهر أيضًا ابتدأ مرض القاضي ناصر الدين بن البارزي كاتب السر الذي مات به. واستمر السلطان ضعيفًا شهر رمضان كله. فلما كان يوم الأربعاء أول شوال صلى السلطان صلاة العيد بالقصر الكبير من قلعة الجبل عجزًا عن المضي إلى الجامع. ثم في رابعه ركب السلطان المحفة من قلعة الجبل ونزل إلى جهة منظرة الخمس وجوه التي استجدها بالقرب من التاج وقد كملت والعامة تسميها التاج والسبع وجوه وليس هو كذلك وإنما هي ذات خمس وجوه وأما التاج فإنه خراب وقد أنشأ به عظيم الدولة الصاحب جمال الدين بن يوسف ناظر الجيش والخاص عمائر هائلة وسبيلًا ومكتبًا وبستانًا وغير ذلك - انتهى. ولما توجه السلطان إلى الخمس وجوه أقام به نهاره ثم عاد إلى القلعة وأقام بها إلى يوم الأربعاء خامس عشر شوال فغضب على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواص وضربه بين يديه ضربًا مبرحًا ثم أمر به فنزل إلى داره على وظائفه من غير عزل. كل ذلك والسلطان مريض ملازم للفراش غير أنه يتنقل من مكان إلى مكان محمولًا على الأكتاف. فلما كان يوم الاثنين عشرين شوال أشيع بالقاهرة موت السلطان فاضطرب الناس. ثم أفاق السلطان فسكنوا فطلع أمير حاج المحمل الأمير تمرباي المشد وقبل الأرض وخرج بالمحمل إلى بركة الحاج من يومه. وسافر الحاج وهو على تخوف من النهب بسبب الاشاعات بموت السلطان. ثم في يوم الاثنين المذكور طلب السلطان الخليفة والقضاة الأربعة والأمراء والأعيان وعهد إلى ولده الأمير أحمد بالسلطنة من بعده وعمره سنة واحدة ونحو خمسة أشهر وخمسة عشر يومًا فإن مولده في جمادى الأولى من السنة الخالية وجعل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي القائم بتدبير ملكه إلى أن يبلغ الحلم وأن يقوم بتدبير الدولة مدة غيبة الأتابك ألطنبغا القرمشي إلى أن يحضر الأمراء الثلاثة وهم: قجقار القردمي أمير سلاح وتنبك العلائي ميق المعزول عن نيابة الشام والأمير ططر أمير مجلس. وحلف السلطان الأمراء على العادة وأخذ عليهم الأيمان والعهود بالقيام في طاعة ولده وطاعة مدبر مملكته ثم حلف المماليك من الغد. ثم أفاق السلطان وحضرت الأمراء الخدمة على العادة. وخلع في يوم السبت خامس عشرينه على القاضي كمال الدين محمد بن البارزي باستقراره كاتب السر الشريف بالديار المصرية بعد وفاة والده القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي ونزل إلى بيته في موكب جليل. وبعد يومين خلع السلطان على القاضي بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد الدمشقي المعروف بابن مزهر ناظر الإسطبل باستقراره في نيابة كتابة السر عوضًا عن ثم في تاسع عشرين شوال المذكور نصل السلطان من مرضه ونقص ما كان به من الألم ودخل الحمام وتخلق الناس بالزعفران وتداولت التهاني بالقلعة وغيرها ونودي بزينة القاهرة ومصر وفرق السلطان مالًا كثيرًا في الفقراء والفقهاء والناس وخلع على الأطباء وأصحاب الوظائف. وكان السلطان لما مات القاضي ناصر الدين بن البارزي طلب الذي خلفه من المال فلم يجد ولده شيئًا فظن السلطان أنه أخفى ذلك فحلفه ثم خلع عليه ونزل على أن يقوم للسلطان من ماله بأربعين ألف دينار. فلما كان يوم الخميس سلخ شوال حضر إلى القاضي كمال الدين المذكور شخص من الموقعين يعرف بشهاب الدين أبي درابة وقال له: " أنا أعرف لوالدك ذخيرةً في المكان الفلاني " فلما سمع القاضي كمال الدين كلامه أخذه في الحال وطلع به إلى السلطان وعرفه مقالة شهاب الدين المذكور فأرسل السلطان في الحال الطواشي مرجان الهندي الخازندار وصحبته جماعة ومعهم شهاب الدين المذكور إلى بيت القاضي كمال الدين المذكور فدخلوا إلى المكان وفتحوه فوجدوا فيه سبعين ألف دينار فأخذوها وطلعوا إلى السلطان. وقد سألت أنا القاضي كمال الدين المذكور عن هذه الذخيرة وقلت له: كان لك بها علم فقال: لا والله ولا أعرف مكانها فإني لم أحضرها حين جعلها الوالد بهذا المكان ولا عند أخذها أيضًا ولا عرفني بها قبل موته. غير أنه أوصى شهاب الدين المذكور وشخصًا آخر سماه أنه إذا مات يعرفاني بها. فلما عرفني شهاب الدين بها لم أجد بدًا من إعلام السلطان بها للأيمان التي كان حلفني أنني مهما وجدته من مال الوالد أعرفه به. قلت: لله دره من كمال الدين! ما كان أعلى همته وأحشمه وأسمحه!. ثم في يوم الاثنين رابع ذي القعدة ركب السلطان من قلعة الجبل وشق القاهرة من باب زويلة وخرج من باب القنطرة وتوجه إلى الخمس وجوه وأقام بها إلى يوم الأربعاء سابع ذي القعدة فركب منها وشق القاهرة من باب القنطرة إلى أن خرج من باب زويلة وطلع إلى القلعة بعدما انقضى له ب الخمس وجوه أوقات طيبة وعمل بها الخدمة وترددت الناس إليه بها لقضاء حوائجهم وللفرجة أيضًا. ولما طلع السلطان إلى القلعة أقام بها يوم الأربعاء والخميس والجمعة ثم نزل إليها ثانيًا في يوم السبت تاسع ذي القعدة بخواصه وبات بها. ثم ركب من الغد في يوم الأحد وتصيد ببر الجيزة وأقام هناك. وأمر بأخذ خزانة الخاص من عند ناظر الخاص الصاحب بدر الدين بن نصر الله فنزل إليه زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي ناظر الخزانة والطواشي مرجان الهندي الخازندار وأخذا منه خزانة الخاص وهو ملازم للفراش من يوم ضرب وسلمت للطواشي مرجان المذكور فتحدث مرجان في وظيفة نظر الخاص عن السلطان من غير أن تخلع عليه وأنفق كسوة المماليك السلطانية نحو ثمانية آلاف دينار. وأقام السلطان بمنظرة الخمس وجوه إلى يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي القعدة فعاد إلى القلعة في محفة فأقام بالقلعة إلى يوم الجمعة خامس عشره فركب أيضًا وتوجه إلى منظرة الخمس وجوه وأقام بها إلى سابع عشره وعاد إلى القلعة بعد أن ألزم أعيان الدولة أن يعمروا لهم بيوتًا بالقرب من الخمس وجوه المذكورة لينزلوا فيها إذا توجهوا في ركاب السلطان فشرع بعضهم في رمي الأساس واختط بعضهم أرضًا. ثم ركب السلطان من القلعة بثياب جلوسه وشق القاهرة وعبر من باب زويلة وخرج من باب القنطرة وتوجه إلى منظرة الخمس وجوه وأقام بها بخواصه إلى يوم الجمعة ثاني عشرين ذي القعدة فركب منها وعدى النيل إلى الجيزة يريد سرحة البحيرة على العادة في كل سنة وقد تهيأ الناس لذلك وخرجوا على عادتهم.
|